الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

مدينة أوبار المفقودة :



مدينة أوبار المفقودة :

" ألم تر كيف فعل ربك بعاد ٭ إرم ذات العماد ٭ التي لم يخلق مثلها في البلاد ٭ " الفجر 86.

ظلت قصة مدينة أوبار المفقودة طوال قرون أكبر أسرار الشرق الأوسط الغامضة . أوبار التي كانت مادة حكايا لا تنتهي يتناقلها عرب الصحراء ، أتى ذكرها في حكايا "ألف ليلة وليلة"، كما أسماها لورانس العرب "أطلنطس الرمال".

وفوق كل ذلك أتى ذكر هذه المدينة في القرآن الكريم ، الذي سميت فيه نتيجة لعمارتها المدهشة "إرم ذات العماد" او أو مدينة الألف عمود .
وقد اعتبرها بعض الباحثين والمؤرخين أنها مدينة في حين اعتبرها البعض الآخر مثل الطبري أنها قبيلة من بني عاد ، كما قيل انها قبيلة ضربها الله بغضبه لكثرة خطاياها ، وحسب خبراء الآثار يعتقد أن عمر أنقاض المدينة يعود لنحو 3000 سنة ق.م
إذا أوبار هي مدينة أرم المذكورة في القرآن ونلاحظ أن القرآن ذكرها قبل 1400 عام وقد مضى عليها مدفونة قبل ذلك أيضا أكثر من ألف عام :
قال تعالى :
ألم تر كيف فعل ربك بعاد ٭ إرم ذات العماد ٭ التي لم يخلق مثلها في البلاد ٭ الفجر 86.
يذكر لنا القرآن أن عاداً قد أهلكت بريح صرصر عاتية وأنها استمرت سبع ليال وثمانية أيام فأهلكت عاداً على بَكْرَةِ أبيهم برغم التحذير والإنذار إلا أن القوم لم يستمعوا وأستمروا في تكذيب رسولهم .
قال تعالى : وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَها عَلَيْهِم سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى كَأَنَّهم أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (الحاقة: 6-7)
بداية الحكاية :
كانت أوبار، التي دفنتها الرمال قروناً عديدة ، مدينة تضج بالحياة ذات يوم . مَلِكُها شدّاد ، سليل حضارة عاد القديمة ، بنى المدينة قبل حوالي 5 آلاف سنة من الآن لصبح سريعاً مركزاً تجارياً نشطاً .
سر رخاء أوبار كان اللبان – تلك المادة الثمينة التي تضاهي الذهب بقيمتها في غابر الأزمان . اللبان الذي كان يتطور من إفرازات أشجار جبل قارة المجاورة والذي يتميز برائحته الزكية وكان يستخدم سابقاً كقرابين وفي الجنازات وفي المراسم الملكية ، كان مادة يطلبها الأشراف والعامة أيضاً لما يعزى له من فوائد علاجية .
وبلغ حب الناس للبان في السابق حداً جعل حتى ملكة سبأ تتردد على منطقة أوبار لشرائه ويقال إنها أعطته لاحقاً للنبي سليمان .
ومع تزايد شعبية اللبان في العالم ، تزايدت أيضاً ثروة أوبار . وأصبحت المدينة ، التي يعتقد أنها كانت أهم مراكز طريق تجارة البخور ، هدفاً للقوافل التي تنقله إلى الاسكندرية والقدس ودمشق وروما والصين . في زمن أوبار كانت تجارة البخور بالغة الأهمية للعالم شأن تجارة الحرير من الشرق بعدها بحوالي ألف سنة . لكن المفارقة هي أن ثروة المدينة الفاحشة هي التي أصبحت لاحقاً سبب نهايتها المخيفة .
حسبما يذكر القرآن ، لم يوفر الملك شداد الذهب ولا الفضة ولا اللؤلؤ ولا العقيق ولا غيرها من المواد الثمينة وهو يبني المدينة في مسعى منه لتقليد فكرة الفردوس . غير أن المدينة والدروب المؤدية إليها أصبحت دفينة رمال الصحراء حين غضب الله على قوم عاد وفسادهم الذي تمادوا فيه حباً بالثروة والمتع الدنيوية .
البحث عن المدينة المفقودة
ظلت المدينة المفقودة لغزا يحير الكثير من المستكشفين علماء الآثار طوال قرون من الزمن ...وهناك عدة حملات موثقة خرجت بحثاً عن المدينة . أولى هذه المحاولات تعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي وقادها البريطاني بيرترام توماس . هذا المستكشف الذي كان أول من يعبر الربع الخالي عقب مجموعة من الحملات بين 1925 و1932، وجد دليلاً على درب للقوافل عبر هذه الصحراء إضافة لبقايا فخارية على امتداد هذا الدرب ، لكن هذا كل ما استطاع تحقيقه بعد أن غلبته طبيعة الصحراء القاسية وقد ألف كتاباً أسماه "السعادة العربية" يحكي قصة رحلته موثقا بالتواريخ .
لورانس العرب أيضاً حلم بالعثور على هذه المدينة غير أنه فشل مما دعا لورنس العرب إلى وصفها بـ «اطلانطس الرمال المفقودة» نسبة إلى قارة الاطلانطس المفقودة في المحيط الأطلسي !
في الخمسينيات ، خرجت حملة قادها عالم الآثار الأمريكي ويندل فيليبس استطاعت أن تعثر على درب القوافل الذي وجده توماس ، غير أنها لم تتمكن من العثور على المدينة في هذا البحر الشاسع من كثبان الرمل .
وفي عام 1981 تصادف وجود المنتج السينمائي الأمريكي نيك كلاب في سلطنة عمان حين سمع عن مدينة أوبار المدفونة لأول مرة . وحين عاد لأمريكا لم يكف عن التفكير في هذه المدينة فانكب على دراسة كل ما ألف عنها وعن رحلات الاستكشاف التي فشلت في العثور عليها ومن ضمنها كتاب "السعادة العربية" لبيرترام توماس . توصل نيك خلال بحثه والذي أستهلكه 52 مفكرة سميكة أن أساطير أوبار مرتبطة نوعا ما بتجارة اللبان _البخور الثمين الذي حمله الحكماء الثلاثة إلى المسيح حين كان طفلا- ففي العصور الغابرة كانت تجارة اللبان تجري في أسواق عديدة تنتشر من روما والصين ومثلما أكتشف أن الصحراء المتاخمة لجبال ظفار أنسب مكان لنمو الأشجار التي يستخلص منها أفضل أنواع اللبان فتساءل نيك : إن نقل اللبان عبر الصحراء يحتاج لطرق ولابد من وجود مركز تجاري يتوسط هذه الطرق ولربما جرى تحصينه لحماية الثروات المتراكمة هناك؟؟؟
في عام 1983م وذات يوم قرأ في مجلة «ساينس» الأمريكية أن الأقمار الصناعية استطاعت تصوير مجاري انهار مدفونة تحت رمال الربع الخالي ؛ فتساءل : إن كانت الأقمار الصناعية قادرة على رؤية مجاري الأنهار تحت الرمال ؛ أليس بإمكانها اكتشاف طرق القوافل القديمة التي تمر بمدينة أوبار؟؟
بداية البحث عن أطلطنس الرمال المفقودة :
أتصل نيك كلاب بأحد كتاب المقالة "رون بلوم" الذي يعمل بمختبر الدفع النفاث بوكالة ناسا ورعب بالفكرة ودعا نيك إلى المختبر لإجراء المزيد من النقاش بأبحاث . فكرة العثور على مدينة أوبار المفقودة أثارت فضول العاملين في المختبر وتم الإتفاق على برمجه للبحث .
في عام 1984م تم إلتقاط الصور عن طريق المكوك "تشالنجر" وبعد إلتقاط الصور وتنقيتها للصحراء العمانية لاحظ بعض الطرق التي غطتها الكثبان الرملية . غير أن تشكيل فريق البحث وإيجاد التمويل اللازم لم يتيحا لنيك بدء حملة الاستكشاف إلا في يوليو 1990 ومن مدينة صلالة انطلقت قافلة من جيبات اللاند روفر لأعماق الصحراء في خط افترض نيك انه يمر (فوق) طريق القوافل المدفون تحت الرمال . غير أن مهمتهم فشلت ولم يعودوا إلا بقطع خزفية أثبتت - رغم الإحباط الذي أصابهم - وجود حضارة قديمة ازدهرت في تلك المنطقة.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة اكتشف نيك أنهم ساروا في الاتجاه الخاطئ .. كما استلم من ناسا صورا جديدة أظهرت وجود شبكة من الطرق (تحت رمال الربع الخالي) تلتقي في بقعة مميزة يعتقد أنها أوبار، وفي نوفمبر 1991م عاد مجددا إلى عمان مسلّحاً هذه المرة بصور أكثر دقة التقطت عن طريق قمر أكثر دقه هو "لاند سات" وأيضا القمر الصناعي الفرنسي "سبوت" وفريق بحث من جامعة ميسوري - فضلا عن الإمكانات الهائلة التي قدمتها الحكومة العمانية . أستمر البحث لعدة أسابيع في تلك الصحراء القاحلة والحارة وفي منطقة لا تبعد كثيرا عن واحة شصر بدأ عمال الحفر يكتشفون بيوتا وطرقات ونظام ري في أعماق الرمال . وكم كانت سعادة نيك حين كان يرى أصدقاءه العمانيين يبدون دهشتهم كدليل على أن ما يرونه لا يمت بصلة إلى الماضي القريب أو المحكي .. وكان أفضل ما اكتشفوه سلسلة من الأبراج كانت معدة لحماية الممتلكات الثمينة وحلي وأوان زجاجية من روما وفارس والهند كدليل على تلاقي الحضارات في هذه المنطقة ..
وفي الرابع من فبراير 1992 عقد نيك مؤتمرا أعلن فيه اكتشاف «اطلانطس الرمال المفقودة» بعد سلسلة من المحاولات التاريخية الفاشلة !!
لم يتمكن أولئك الذين كانوا يظنون أن قصة عاد التي ذكرها القرآن ما هي إلا أسطورة يتناقلها البدو ، وأن مكانها لن يظهر على وجه الأرض من إخفاء دهشتهم وذهولهم لهذه الاكتشافات ،
لقد أثارت هذه القصة التي لم تكن تعرف إلا من خلال روايات البدو الكثيرَ من الفضول والاهتمام.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقاتكم تهمنا ( نتمني دائما أن نكون الأفضل بإذن الله )

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More